تعمل الشبكة العربية للأبحاث والنشرعلى ترجمة كتاب مارشل هودجسون (قصة الإسلام) بأقسامه الثلاثة الصادرة عن مطبعة جامعة شيكاغو، والذي يعتبر من أهم المصادر والمراجع الأكاديمية التي أرخت لعلم اجتماع الإسلام.

 

يُعدّ “مغامرة الإسلام” عصارة جهد المؤرّخ وعالِمُ الإسلاميات الأمريكي الكبير مارشال هودجسون، طوال سنوات عمله الطويلة أستاذاً ثمّ رئيساً لـ”لجنة الفكر الاجتماعي” في جامعة شيكاغو. يتناول الكتاب تاريخ الإسلام من زاوية نظرٍ عالميّة. فهودجسون ينتمي إلى ما يُعرف بمدرسة “التاريخ العالمي” التي عُنيت بدراسة الحضارات في تفاعلها وتطوّرها وعلاقتها بالحضارات الأخرى. ولمّا كانت الحاضرة الإسلاميّة هي مسرح الأحداث الرئيس لتاريخ العالم في السنوات الألف السابقة على صعود الغرب ودخول العصر التقني، فإنّها تحتل موقعاً مركزيّاً لا غنى عنه لكلّ دارس يتوخّى فهم تاريخ العالم، بل ولكلّ دارس يطمح إلى إدراك الظروف التي ولدت الحداثة وسطها.

سعياً وراء فهم مركّب للظاهرة التاريخيّة، لا ينحصر اهتمام هودجسون بالتاريخ السياسي وحوادثه المتقلّبة من صعود الدول والممالك وسقوطها، بل يحاول أن يبرز العوامل الماثلة خلفه من طبيعة الجغرافيا السياسيّة، وتأثيرات البيئة، وظروف الإنتاج الاقتصادي، وطبيعة البُنى السياسيّة والاجتماعيّة وهياكل الحُكم الطويلة الأمد، مروراً بخطوط التجارة وما حملته من تأثيرات ثقافية متبادلة، ووصولاً إلى دراسة التقاليد الثقافية في خطوط استمراريّتها وانقطاعها وتفاعلاتها.

يصحّ وصف منهج “مغامرة الإسلام” بالشمول والإنسانيّة. فهو شامل من جهة ما يُغطّيه من زمان تاريخيّ يبدأ من الظروف السابقة لظهور الإسلام وينتهي إلى مرحلة صعود القوميات ومرحلة الاستعمار وما بعدها. وهو شامل من جهة ما يُغطّيه جغرافيّاً، إذ يطوف الكتاب بالقارئ في كلّ رقعة جغرافيّة وصلت إليها الحاضرة الإسلاميّة في أقصى امتداداتها من الأرخبيل الماليزي، إلى وسط إفريقيا، مروراً بدول التتار في جنوب روسيا والجزر الاتي استوطنها الإسلام في البحر الأبيض المتوسط.

كان مارشال هودجسون سبّاقاً إلى نقد انحيازات الدراسات الاستشراقيّة ونظرتها إلى الإسلام ودوره التاريخيّ، بشهادة إدوارد سعيد نفسه، الذي جعله الاستثناء الوحيد الذي قدّم تاريخ الإسلام بالأمانة المطلوبة. لا يكتفي هودجسون بتفكيك المقولات الاستشراقية المتمركزة حول الغرب، بل يُعيد تقويم المصطلحات والمناهج التي انبنت عليها، فيرفض على سبيل المثال لا الحصر، استعمال مصطلحات مثل “الشرق الأوسط” أو الاستعمال الواسع المضلّل لـ”إسلامي” لوصف كلّ ما ينتمي إلى هذه الحضارة دون تمييز بين ما ينتمي إلى “الدين” في صميمه وبين ما ينتمي إلى الثقافة في عمومها؛ بل إنّ نقده ليتمدّد إلى فحص آليات الترجمة الصوتية وتقنيات رسم الخرائط وأثر النزعة الغربيّة في تضخيم بعض أجزاء العالم.

 

يجمع “مغامرة الإسلام” بين الدراسة الدقيقة للشروط المادّية التي تُحدّد إمكانات الفعل التاريخي، وبين التقدير الرفيع لدور العبقرية الفرديّة في اجتراح مسالك جديدة للفعل التاريخي عبر فُرج شبكات المصالح القائمة، وبين وعي حساس ونافذ إلى باطن الروح الدينية والتجارب الجماليّة. إنّه تأريخ للوعي والضمير، مثلما هو تأريخ لشؤون الاقتصاد والسياسة والتجارة؛ إنّه ببساطة تأريخ للحضارة بتعقيداتها كافّة. لقد تحلّى هودجسون، تبعاً لالتزامه الديني والأخلاقيّ العميقين، بصرامة منهجيّة وإنصاف عزّ نظيره، فكان مُنطلقُه إنسانيّاً لا يرى لأمّة فضلاً على أمّة، إلا بنتاجها الحضاري وثمارها الأخلاقيّة وفق شروط زمانها ومكانها.

 

 

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق

السلة

لا يوجد منتجات في سلة المشتريات.