رجل السياسة: دليلٌ في الحكم الرشيد

يتجسَّدُ الانتقال إلى الحداثة على شكل تغير ملموس في العناصر المادية للحياة، من أنماط العيش والمواقف والعلاقات الاجتماعية، إلى اللغة والسلوكيات الشخصية.. إلخ. هذه التغيرات الملموسة هي التجسيد الظاهري لتغيرات أكثر عمقًا تجري تحت السطح، وتطال القيم الناظمة للعلاقات الاجتماعية والخريطة الذهنية التي تحكم السلوك العفوي للأفراد وهموهم وتطلعاتهم.

ثمة تباين في التوقيت بين التغيرات المادية (فوق السطح) والتغيرات الثقافية (تحت السطح). في كثير من الأحيان –وهذا ما يظهر في منطق الخليج مثلاً بحسب المؤلف- يبدأ الناس بتغيير حياتهم انطلاقًا من مقارنات سطحية بين الطرق المعتادة ونظيرتها الجديدة. ثم يأخذون بالقيم الجديدة كي تتناغم مع الواقع الجديد أو ربما كي تبرره. المسألة بطبيعة الحال أعقد من هذه العبارات المبسَّطة. إذ تشهد المرحلة الانتقالية تدهورًا مستمرًا لمنظومات القيم الموروثة التي يوقم على أرضيتها الإجماع الوطني وشرعية النظام الاجتماعي/السياسي. ويستدعي هذا إعادة بناء الإجماع ومنظومات القيم التي تسنده والثقافة السياسية التي تشكل وعاءه الذهني. إهمال هذا الجانب قد يطيل المرحلة الانتقالية التي تتسم بعدم اليقين وتكثر فيها الخلافات، كما تتسم بتصاعد القلق الذي يعبر عن نفسه أحيانًا في صورة أزمة هوية.

هذا الكتاب هو محاول لتوضيح بعض معالم الثقافة السياسية الجديدة؛  فهو يعرض أبرز قواعد التنظيم السياسي والاجتماعي الحديث، ويركز على مكانة الفرج وعلاقته بالجماعة، ومفهوم الدولة وعلاقتها بالمجتمع وآلية اتخاذ القرار وحل المشكلات.

ويستهدف الكتاب إثراء النقاش حول الحداثة في جانبها السياسي، ويعاضد الدعوة إلى إعادة بناء الإجماع الوطني والفهم المشترك للحياة المدنية التي يتمتع جميع المواطنين في إطارها بقدر متساوٍ ومعقول من الحقوق يتناسب مع ما يستحقون ومع كونهم بشرًا عقلاء. ولهذا يركز على الأساس النظري للإجماع، ولاسيما التعاقد كأساس للنظام الاجتماعي والحريات العامة وسيادة القانون وصيانة حقوق الإنسان والمشاركة الأهلية في الشأن العام. كما حاول المؤلف قدر الإمكان التعرف على الصلات الممكنة بين هذه المفاهيم التأسيسية وبين ما روثناه من تراث ثقافي أو قيم دينية.

لعل أبرز المشكلات التي تواجه دارسي الفلسفة السياسية في العالم العربي هي ندرة البحوث ذات العلاقة في التراث الإسلامي، وتبعًا لذلك فإن معظم الدراسات المنشورة هي إعادة إنتاج لمناقشات في الإطار المعرفي الغربي، ومع ذلك فقد حاول المؤلف إقرارًا بهذا المشكلة، اكتشاف الإمكانات التي يتيحها الفكر الإسلامي لمعالجة المفاهيم والقضايا الرئيسة المطروحة للنقاش بغية تبيئة تلك المفاهيم وإعادة إنتاجها ضمن النسيج الثقافي العربي، أو عرض بدائل محتملة تحقق ذات الغايات أو تقترب منها.

يتألف الكتاب من تسعة فصول، يبدأ كل منها بتحديد المفهوم محل النقاش، وأبرز النظريات العلمية التي عالجته ومناقشتها، ثم تقييم المؤلف لتلك الآلراء وينتهي الفصل بخلاصة لأبرز ما تعرض له من مناقشات ونتائج.

الفصل الأول: السؤال المحوري في علم السياسة: وهو يمهد لما سيأتي من أبحاث حول مفهوم الدولة وضرورتها ومبررات وجودها. ويعرض باختصار أبرز التطورات التي تعرَّض لها مفهوم الدولة حتى وصل إلى صورته الحالية. ويلقي الضوء على أبرز الإشكاليات المتعلقة بهذا التطور والأفكار التي استجدت وأصبحت جزءًا من مفهوم الدولة بغية تحديد المفاهيم التي سترد خلال النقاشات التالية وتسهيل استيعابها.

الفصل الثاني: إشكالية المصدر الغربي في الفلسفة السياسية: يركز على العلاقة بين مضمون السؤال وبيئته الثقافية – التاريخية، والعوامل التي تسببت في تأخر البحث في هذا الحقل العلمي في العالم الإسلامي بينما تقدم في الغرب. هذا الفصل يمثل اعتذارًا أو تبريرًا من جانب الكاتب لانتهاجه هذا المنحى، وقد يقبله القارئ أو يردُّه، لكن الكاتب مهتم، على أي حال بالدعوة إلى قراءة نتاج الفكر الإنساني باعتباره إنسانيًا في المقام الأول، أي بغضِّ النظر عن مصدره أو جنسية منتجيه.

الفصل الثالث: الرابطة الاجتماعية: يناقش طبيعة العلاقة التي تربط بين أعضاء المجتمع. وهو بمثابة التأسيس النظري للفصول اللاحقة، ويستهدف بيان الفارق بين رؤيتين: قديمة تركز على الهوية الجمعية، وحديثة تركز على استقلال الفرد. وهو يؤكد في هذا السياق على أن فهم الفارق بين التفكير السياسي التقليدي ونظيره الحديث ضروري لاستيعاب المبررات التي تقوم عليها فكرة التعاقد وحقوق الإنسان.

الفصل الرابع: العقد الاجتماعي: وهو المحور الرئيس لجميع مناقشات هذا الكتاب، ويعرض بالتفصيل مبدأ العقد الاجتماعي، وهو القاعدة التي تقوم عليها الدولة الحديثة. ويناقش معنى العقد وأهمتيه والتطورات الفلسفية والسياسية التي ساهمت في إبرازه، كما يركز خصوصًا على آراء توماس هوبز، جون لوك، وجان جاك روسو. كما يعرض نماذج من الأراء التي عارضت هذه النظرية.

 

الفصل الخامس: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي: يستكمل هذا الفصل مناقشة مبدأ العقد الاجتماعي من زاوية أخرى، لأ وهي إمكانية تفكيك المبدأ الذي تطور في أوروبا وإعادة إنتاجه على أرضية القيم الإسلامية. مبرر هذا المسعى هو حل الإشكالية المزمنة بين شعورنا بالحاجة إلى نظام سياسي يستمد سلطته من رضا الجمهور، وبين قلقنا المزمن من إبعاد الدين عن الحياوة العامة فيما لو أخذنا بمبادئ الحكم التي تطورت خارج الإطار الإسلامي.

الفصل السادس: الحرية: ويعرض فيه المؤلف للمحاور الأساسية للجدل حول مفهومها والعلاقة بينها وبين القيم المماثلة ومكانتها في سُلم المنافع الاجتماعية. ثم يخصص حيِّزًا لعرض الإطار السياسي للحرية وتصنيفها إلى سلبية وإيجابية. ويختتم بمناقشة العلاقة بين الحرية والعدالة في إطار نظرية جون راولز حول العدالة الاجتماعية.

الفصل السابع: مفهوم الحق ومصادره: يستكمل المؤلف في هذا الفصل النقاش حول الحرية من خلال التركيز على أبرز إشكالياتها، أي كونها حقًا أصيلاً للإنسان. كما يناقش هنا معنى الحق وكيف فهمه الفلاسفة والفقهاء. ثم يشير إلى مصادر الحق ولاسيما الفطرة وما يرتبط بها من منظومة حقوق لازمة لإنسانية الإنسان. ويشير المؤلف في هذا الفصل إلى التحفظات الواردة على المعنى المختار والرد عليها، كما أشار المؤلف في ختام الفصل إلى أهمية مفهوم الحق بالنظر إلى ضآلة الاهتمام به في ثقافتنا العامة.

الفصل الثامن: سيادة القانون: يستهدف هذا الفصل إيضاح مدى التقييد الممكن للحريات في إطار القانون. ويبدأ بعرض مصدر الإشكال، أي طبيعة الإنسان، ثم النقاشات الفلسفية والدينية حول القانون وصدره. كما يعرض مبدأ الإرادة العامة كمصدر لإلزامية القانون. وأخيرًا العلاقة بين القانون والعدالة ومعايير القانون العادل.

الفصل التاسع: يناقش فكرة الشرعية السياسية: أي الأساس الذي يقوم عليه حق الحكومة في الأمر والنهي استعمال القوة والتصرف في الأموال العامة. بعد شرح المفهوم، يعرض الفصل المصادر المختلفة التي تستمد منها الحكومة شرعيتها. ويخصص حيزًا لمناقشة فكرة “رضا العامة”، ثم العلاقة بين الشرعية والإنتاج الوطني.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق

السلة

لا يوجد منتجات في سلة المشتريات.