بين الشريعة والسياسة: أسئلة لمرحلة ما بعد الثورات

الكتاب: بين الشريعة والثورة: أسئلة لمرحلة مابعد الثورات

المؤلف: د. جاسر عودة

الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر – بيروت 2012

***

العلاقة بين الشريعة والثورة والدولة كان من أهم الإشكالات التي ظهرت عقيب نجاح انتفاضات الربيع العربي المبدئية في إزاحة الحكَّام المتسلطين في مصر وتونس وليبيا عن الحكم والشروع في إجراءات التحولات الديمقراطية، وتميزت هذه المرحلة بخلاف ما سبقها من ظهور هذه الوقائع الجديدة في الواقع المعاش نفسه بدلاً من الخوض فيها نظريًا كما سبق.

في هذا الكتيب يسعى الدكتور جاسر عودة أستاذ المقاصد الإسلامية إلى حل هذه الإشكالية من خلال تقديمها في 12 سؤالاً، مع محاولة تقديم إجابة عنها تتغيَّا عدم مخالفة الشريعة، مع العمل على ترسيخ نجاحات تلك الانتفاضات في الواقع العملي.

  • هل تتعارض الشريعة الإسلامية مع الهوية الوطنية؟

يجيب المؤلف: لكل إنسان هوية، بل هويات متداخلة، وهي تتعدد ولا يلزم أن تتناقض فإذا أخذنا المصريين كمثال، وجدنا أنهم أصحاب هويات وثقافات عديدة، فهم مصريون، وهم كذلك عرب باعتبار أن الأغلبية الساحقة منهم يتحدثون العربية كلغة أصلية، وكذلك فإن أكثر المصريين مسلمون، والهوية المسيحية كذلك جزء من الهوية المصرية. وهناك هوية فرعية أخرى ترفد الهوية المصرية بما يثريها كالهوية النوبية وغيرها. ويؤكد الدكتور جاسر عودة أن هناك ضعف غالب على المستوى الشعبي في الفهم العام لقضية الشريعة، حيث لا تتم التفرقة ما بين الشريعة والفقه، حيث أن الشريعة من حيث أنها “مكون للهوية” لا يصح أن يدخل فيها الاجتهاد الفقهي بمعنى أنه لا يصح لأحد أن يدعي في أية قضية اختلفت فيها الأراء الفقهية أنها مسألة هوية، فالشريعة تؤدي هنا فقط دور أصل النظام العام الذي تتعدد داخله الاجتهادات.

 

  • ما الفرق بين مبادئ وأحكام الشريعة؟

يرى الدكتور جاسر عودة أن الاسم العلمي لمبادئ الشريعة وكلياتها وأهدافها هو “مقاصد الشريعة”، وهي المقاصد الخمس التي حددها الشارع في : “حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال”

إذن فالرجوع إلى “مبادئ الشريعة الإسلامية” هو رجوع إلى كل تلك المعاني والمقاصد والغايات الشريفة، وتصلح تلك المبادئ بالتالي كي تكون أرضية مشتركة بين جميع القوى السياسية في أي مشروع سياسي عام.

  • هل سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم تلزمنا شرعًا؟

يرى الدكتور جاسر عودة أنه لا يمكننا الحديث عن “تطبيق الشريعة” في واقع الدولة دون أن نفرق بين ما كان من قرارات النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفاته على سبيل التشريع، وما كان منها على سبيل بشريته المحض، وما كان على سبيل الإمامة أو ما نطلق عليه بلغة العصر “السياسات”.

وبالتالي فإن منهج التفكير في تطبيق المعاملات والسياسات الإسلامية في واقعنا المعاصر إذا أخذنا فيه بالحرفية والظاهرية وصلنا إلى نتائج غير منطقية وغير مقبولة، كما نرى في عصرنا هذا من الظاهرية الجدد.

وفي المقابل إذا أخذنا بالمنهج الذي ينظر إلى المعاني والمبادئ فقط من دون وضع ضوابط وقيود، كالعبادات والمقدرات وصلنا إلى معانٍ فضفاضة تحتمل كل شيء تحت مسمى الحرية أو الفطرة أو حتى العدل. فما نحتاج إليه هو منهج وسط بين هذا وذاك في التعامل مع ما نعرفه من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن نصوص القرآن.

  • ماهي الأولوية الشرعية في هذه المرحلة؟

إن بناء الإنسان هو الأولوية الشرعية في مرحلة مابعد الثورات قبل مناقشة تفاصيل الشريعة وتقنينها بما يسمى الدولة المدنية، وقد حدد الدكتور جاسر عودة هذا الأمر كأولوية بناء على فقه المقاصد، وإذا كانت مسائل السياسة الشرعية تُبنى بالأساس على مراعاة الحكم والمعاني والمقاصد فلابد فيها من مراعاة مراتب هذه المعاني ودرجاتها وأولوياتها. وبناء الإنسان أولوية بعد الثورات حيث أن الدكتاتورية والاستبداد في عالمنا العربي لا يتعلقان بقط بالنظم البائدة، ولكن هذه الديكتاتوريات كانت انعكاسًا لأمراض الظلم والتسلط والاستبداد السائدة في المجتمع. وتغيير النفس هو اللبنة الأولى في مشروع بناء الإنسان، فالحرية بالتالي أولوية عن الحديث عن تطبيق الشريعة، وكذلك زرع مبادئ سيادة القانون في نفسية الإنسان وممارسته وثقافته.

  • هل أعطت الشريعة شرعية لتفرد الحاكم بالرأي؟

آن لتراثنا الإسلامي في مسائل السياسة الشرعية وخاصة مسألة تفرد الحاكم بالرأي أن تحدث له نقلة مهمة وأن يتجدد وأن يغير ” ما يعود إلى الحاكم” إلى “مايعود إلى الأمة”، ويجب أن تعود الشورى من مُعلمة إلى مُلزمة. وعودة الأمور إلى الأمة ستكون عن طريق العودة إلى “المشرِّع” أو السلطة التشريعية كما هي في البرلمانات الحديثة.

  • كيف نحدد العلاقة بين “الديني” و “المدني”؟

يرى الدكتور جاسر عودة أنه لا تعارض حدّي بين الديني “الإسلامي في حالتنا” و “المدني” إذا تخيلنا مساحات الديني والمدني في دوائر متقاطعة وليست دوائر منفصلة. ويفصِّل الدكتور جاسر عودة ذلك القول بالتأكيد على أن هناك مساحة للديني المحض تخص أهل الدين وحدهم وليس لها علاقة ببناء الدولة وقوانينها. وهناك مساحة مدنية محضة تخص الدولة ومؤسساتها ليس للدين تدخل (مباشر) فيها، ومساحة ثالثة رمادية بينهما يختلط فيها الديني بالمدني؛ أي أن للدين فيها أحكام تفصيلية خاصة، وهذه الأحكام الدينية الأصل فيها أن تتحول إلى قوانين ملزمة لجميع المواطنين، وهنا تأتي إشكالية الديني والمدني لأن تحويل الأحكام الشرعية إلى قوانين تلزم المسلم وغير المسلم على حد سواء لهي مسألة تحتاج إلى تفصيل.

ولحل هذه الإشكالية يقدم جاسر عودة حلاً من خلال 3 نقاط

  • الديني – المدني الذي يمكن لكل أهل دين أو مذهب التحاكم فيه إلى دينهم
  • الديني – المدني الذي يسري على الجميع بناء على توافق مجتمعي

ج- الديني-المدني الذي لا يتوافق عليه المجتمع

  • كيف يتحقق العدل في المجتمع في الرؤية الإسلامية؟

الضمانة الوحيدة لتحقيق العدل هي العدالة الاجتماعية، وهي ليست عدالة مساواة في المأكل والمشرب والملبس، بل عدالة المساواة في الحقوق الأساسية.

  • ماهو الموقف الصحيح للإسلاميين من “العلمانيين” و “الليبراليين”؟

الإجابة التي يطرحها المؤلف هنا هي: الحوار

لابد أن يحدث حوار بين الإسلاميين ومن ينسبون أنفسهم إلى العلمانية أو الليبرالية في مجتمعات ما بعد الثورات، بل يجب أن يسبق ذلك التحاور بين الاتجاهات الإسلامية المختلفة للوصول إلى قناعات وأرضية مشتركة يمكن العمل سويًا من خلالها.

 

  • هل تفرق الشريعة بين الذنوب والجرائم؟

إذا كنا نتحدث عن استثمار مبادئ الشريعة في بناء إنسان ما بعد الثورة فيجب أن نضيق لا أن نتوسع في تحويل الذنوب إلى جرائم بالمعنى المدني أي جرائم يعاقب عليها القانون، وذلك لعدة أسباب:

أولا: لأن ذلك خلاف الطريقة النبوية الصحيحة التي هي منهج التربية والتغيير المتدرج.

ثانيًا: يقتضي تحويل الذنوب الفردية إلى جرائم مدنية مساحات تدخل ضخمة للدولة في الحياة الشخصية للأفراد.

ثالثًا: تحويل الذنوب الشرعية إلى جرائم ينتج إشكالات عملية حقيقية في التطبيق.

ينبغي للحاكم أن يقتصر دوره على وضع السياسات وتنفيذها.

 

  • ماذا عن تطبيق الحدود الذي ينادي به بعضهم؟

الحدود في الشريعة معروفة وهي حد السرقة وحد الزنا وحد الخرابة والقتل والجروح وحد القذف. ولكن هل تطبق الحدود في دولة مدنية؟

يجب المؤلف أن هذا يجب أن يكون عبر شروط الدولة المدنية نفسها، أي عبر مرورها كغيرها من القنوات المشروعة؛ أي البرلمان وخلافه.

 

  • ماذا عن الجزية التي ينادي بها بعضهم؟

يرى المؤلف أن هناك إشكاليتان حقيقتان في الطرح الإسلامي المعاصر حول قضية الجزية

الأولى أن هذا الطرح يفترض الدولة العربية المعاصرة باعتبارها دولاً إسلامية تاريخية وليست دولاً يختلط فيها المدني بالديني كما هو حاصل الأن.

والثانية: أن الطرح الداعي إلى ضرورة اخذ الجزية من غير المسلمين ينبني على تصور خاطئ أن الجزية وتوابعها أجزاء لازمة من الشريعة لابد للمسلمين من الأخذ بها في كل زمان ومكان، بينما الجزية وما يشبهها هي من الوسائل المتغيرة وليست حكمًا دينيا لا يقبل التغيير.

 

  • ما موقف الشريعة من “إصلاحات” قوانين الأسرة السابقة على الثورات؟

إذا كانت مساحة التقاطع المتعلقة بالأحوال الشخصية تقع في مساحة القطع بين الديني والمدني فالقول الفصل فيها يعود بالقطع إلى علماء الشريعة المجتهدين . وبالتالي يجب العودة في قضايا الأحوال الشخصية إلى الاجتهاد المعاصر الذي يجمع بين المصالح المستجدة والنصوص الثابتة الخالدة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق

السلة

لا يوجد منتجات في سلة المشتريات.