يهتم الكتاب بدراسة وتقدير برامج الرعاية الاجتماعية العامة الوافرة التي امتثلت للمبادرة العامة المتواضعة التي طُرِحت القرن الماضي، ومناقشة: ما المتوقع منها، وماذا قدمت. فكرة “الرعاية الاجتماعية”، التي ترجع للقرن السادس عشر، استغرقت وقتاً طويلاً في التطبيق. ففي بداية القرن العشرين لم تكن سوى مجموعة صغيرة من الدول الصناعية مستعدة لمكافحة مشاكل الفقر المدقع، وفي الغالب فعلت هذا لأسباب سياسية. و بالطبع خلق حديثهم وتجربتهم المحيط اللازم لنشوء الرعاية الاجتماعية، فبدأ في أوروبا ثم أستراليا وتبعتهم الأمريكيتان وأخيراً آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. ساهم كل من “الاستعمار”، والحربين العالميتين والكساد الاقتصادي في الثلاثينات في توعية عدة حكومات ومجتمعاتهم إلى متطلبات الرعاية الاجتماعية اللازمة غير الملباة من نواح إنسانية واجتماعية وحتى سياسية. و كان المصلحون من مختلف الأطياف السياسية – من الماركسية اللينينية والستالينية والاشتراكية الديمقراطية و الديمقراطية الاشتراكية والأفراد المعارضين والمجموعات المعارضة و اليمينيين الجدد- كل هذه الأطياف كانت متلهفة في أوقات مختلفة لتطبيق نظرتها للمجتمع المثالي.
كان حلم الرعاية الاجتماعية أن تضمن المواطنة نمط حياة آمن للجميع، وتوفر الوسائل اللازمة للنمو والتطور إلى أقصى حد ممكن لأفراد وأعضاء المجتمع. و يمكننا القول إن مؤسسة الرعاية من أهم المؤسسات الاجتماعية التي تطورت في القرن العشرين، لكنها كانت تنطوي على أسباب محتملة لفشلها، مثل زيادة نفقات الرعاية الاجتماعية و الدائرة المفرغة الناشئة هن تزايد الاعتماد على الرعاية الاجتماعية وزيادة سيطرة الدولة وزيادة الفقر ونشوء الطبقة الدنيا. و هذا أدى إلى مطالبات شرعية بالتخصيص الاجتماعي، حيث يكون التركيز الأكبر على واجبات المواطنة ومسؤوليات الفرد وعلى تسويق الإنفاق العام.
و شهد القرن العشرين تغيراً جذرياً في كل من فكرة ومؤسسة الرعاية الاجتماعية. ويمكنرصد ذلك في عرض الكتاب لثمان دول، ست منها دول متقدمة اقتصادياَ (استراليا، كندا، فرنسا، السويد، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) ودولتان ناميتان (البرازيل وزيمبابوي). و من غير شك كان صعود وهبوط الرعاية الاجتماعية من أبرز أحداث القرن العشرين.نحاول في هذا العرض تناول تراث تجارب من تجارب دولة الرعاية وهي (استراليا، البرازيل ، وكندا).تجربة استراليا
يتناول الفصل الأول تجربة أستراليا ، يتناولها مايكل جونز، وهو محاضر أول في السياسة في جامعة كنبيرا، أستراليا.
يتناول مايكل جونز، في الفصل الأول عن أستراليا، أسس الرعاية الاجتماعية فيها بصوفها دولة غنية ذات أغلبية سكانية بيضاء من عام 1890-1910 وذلك من خلال تدابير إجرائية وتفاصيل دقيقة مثل قانون تقييد الهجرة لضمان أن تسود الصبغة الأوربية بين السكان، وضمان الحماية للصناعة من المنافسة الخارجية لضمان أن تصبح أستراليا دولة ذات أجور مرتفعة فتصبح دولة رفاهية.يطوف الكاتب في تفاصيل تاريخية دقيقة عن السكان الأصليين لأوربا وما جرى عليهم من تحيزات عنصرية من قبل البريطانيين حتى أصبح “السكان الأصليون” منبوذين وجرت عليهم النظريات العرقية المبنية على تطبيق نظرية دارون للتطور..ثم ما جرى بعد ذلك من توزيع متميز للثروات على عدد ضئيل من السكان بفعل القوانين والتدابير سالفة الذكر ، مع ذكره معدل دخل الفرد المرتفع، ويتحدث عن تجربة المعونات غير الرسمية للفقراء إذ أنه في التجربة الاسترالية لم يعر صناع القرارات ولا الإحصائيون ولا الأكاديميون الفقر اهتماما كبيرا، في مقابل ذلك استفادت أستراليا من وفرة وكالات التأمين غير الحكومية في مطلع القرن العشرين، حيث وفرت هذه الوكالات شبكة حماية شاملة لجزء كبير من الشعب. ثم تحدث الكاتب عن قانون الأجور كبند في الرعاية الاجتماعية وماهية البرامج الأولى في الرعاية الاجتماعية (مثل: معاش المسنين، معاش للعاجز عن العمل، علاوة الأمومة).
ثم يستطرد الكاتب في الجواب عن سؤال (كيف ولماذا تغيرت القوانين الاجتماعية خلال الـ 100 سنة الماضية) حيث جرت تعديلات فريدة من نوعها، حيث لم تخضع أستراليا –عكس بقية الدول الغربية- لتغيير كبير ومفاجىء في سياستها الاجتماعية، فهي المثال المطلق للتدرج في التغيير. حيث لطالما أكدت أستراليا على كونها استثناء، فهي ترى أنها “دولة محظوظة” بمجتمع وشعب مختلفين عن بقية الدول، ما أدى إلى إصلاحات اجتماعية مختلفة وأقل شمولا. ثم يذكر الكاتب مراحل بداية الرعاية الاجتماعية الحديثة، وكيفية زيادة الاعتماد على الرعاية الاجتماعية مثل برامج معاش المسنين ، معاش قدامى الحرب، وإعانة البطالة، ومعاش الأرامل،كبار السن، الزوج، ومعاش المعيل، ومعاش العاجز عن العمل، ومعاش الأسر الأحادية، والأطفال في المعاشات الاجتماعية. ثم يتحدث عن برامج سوق العمل ومعايير وضمانات الرعاية وحقوق الرفاهية فيها، والخدمات الاجتماعية المجانية، وتمويل التقاعد حيث كان استخدام الراتب التقاعدي الإجباري ذي التمويل الذاتي تطورا كبيرا في سياسة أستراليا الاجتماعية. ثم يتحدث المؤلف عن السياسة الاجتماعية في التسعينات، حيث كانت السياسة الاجتماعية في أستراليا في التسعينات مجرد استمرار لما كانت عليه في الماضي بحيث تشمل البرامج لكبار السن، وتحول المخصصات التقاعدية للقطاع الخاص، وبرامج للعاجزين عن العمل، وبرامج للعاطلين عن العمل، وبرامج للأسر الأحادية، وبرامج للأسر.
وقبل أن يختم المؤلف حديثه بمناقشة خطط القرن الواحد والعشرين، يناقش (تقييم الرعاية الاجتماعية) ، وهل هي شبكة أمان شاملة؟ حيث يجيب المؤلف أنه من الصعب تقييم أي نظام رعاية اجتماعي بسبب تعقيد هذه القضايا وصعوبة الحصول على معلومات وافية. ويناقش في ظل هذا مشاكل استطلاع الموارد المالية، والمعاشات التقاعدية المنخفضة، ومدى كون نفقات الرعاية الاجتماعية سببا في ضعف الاقتصاد وفي زيادة الاعتماد.
ويختتم الكاتب الحديث في هذا الفصل بتقييم خطط القرن الواحد والعشرين، بسؤال “هول سينجح تحول المعاش التقاعدي للقطاع الخاص”؟ ، وما هي مشاكل نظام الرعاية الصحية؟، وتقييم العمل المثمر والادخار، ثم أثر العولمة ودورها في نظم الرعاية الاجتماعية، وأخيرا، حديثه عن الدعم السياسي لاستطلاع الموارد المالية.تجربة البرازيل
تتناول سونيا ميريام درايبي، برفيسورة في العلوم السياسية في جامعة كامبينيس، البرازيل، تجربة البرازيل، حيث تشير إلى أن تأسيس نظام الرعاية الاجتماعية في البرازيل في منتصف السبعينات من القرن الماضي في ظل الحكومة الفاشية قد عزز الخصائص المحافظة التي اتسم بها النظام طوال فترة وجوده وكان لها علاقة قوية بالتركيب الاجتماعي-الاقتصادي لذوي الأجور المتدنية والفقر والإقصاء الاجتماعي، وهي المشاكل التي أنشئت الرعاية الاجتماعية لأجلها. ثم تتحدث عن خطوات ومراحل تأسيس نظام الرعاية الاجتماعية في البرازيل وتوسعها، ثم تناقش الخصائص الهيكلية والحركية لبرامج الرعاية الاجتماعية ، وذلك بفحص التدابير المنظمة لكل قطاع من القطاعات المهمة، وما يتعلق بها من قوانين الرعاية الاجتماعية وما طرأ عليها من تغيرات وتطورات، فنجد برامج للرعاية الاجتماعية في الطعام والغذاء مثل البرنامج الوطني للوجبات المدرسية، وبرنامج حليب، وبرنامج Prodea وبرنامج Pat وهو تغذية للعاملين. ونجد برامج خاصة بالمعونة الاجتماعية وحماية الأطفال واليافعين وبرامج خاصة بالرعاية الصحية، وأخرى خاصة بدعم التعليم ،وأخرى متعلقة بمعاشات المسنين وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وغيرها المتعلقة بالتطور المدني كالتعمير والصرف الصحي، وأخرى ذات صلة بمكافحة الفقر ودعم المجتمع. إضافة إلى نوعيى أخرى من البرامج الفدرالية في البرازيل المخصصة لإنتاج الوظائف ومصادر للدخل، مثل برنامج إنتاج الوظائف ومصادر الدخل في المدن التي يشرف عليها صندوق دعم العمال، وبرنامج إنتاج الوظائف ومصادر الدخل في القرى ، وبرنامج دعم الأسر المزارعة، وبرنامج الخطة الوطنية للتأهيل المهني.
ثم تناقش نظام الرعاية الاجتماعية للحكومة المحافظة في البرازيل وما هي نتائجه وكذلك حدوده؟ ، وما هي الكيفية التي تم بها إصلاح أنظمة الرعاية الاجتماعية في البرازيل وذلك بالإشارة إلى حقبتين زمنيتين، هما: الثمانينيات من القرن العشرين: جدول الأعمال الديمقراطي لإصلاح برامج الرعاية الاجتماعية، والتسعينات: الخطط الجديدة للإصلاح الاجتماعي. ثم تشير كذلك إلى ما حدث من تعديلات وإصلاحات اقتصادية منبهة إلى تناقضات التجربة الليبرالية الجديدة. وتختم الكابتة هذا الفصل بالبحث في تصورات القوانين الاجتماعية الجديدة التي تستفيد من تقييم الخبرة السابقة لتجربة برامج الرعاية الاجتماعية ومراحل التصويب والتعديل.
كندا
يبدأ جون ر. غراهام الأستاذ المساعد في كلية العمل الاجتماعي في جامعة كالغيري بكندا ، حديثه في هذا الفصل بذكر تصريح وزير الخارجية الكندي الذي أعيد انتخابه في نوفمبر 1900 ويلفريد لورييه وكان أول زعيم من الحزب الليبرالي الذي رأس الحكومة خلال 71 عاما من القرن العشرين، وهو (سيكون القرن العشرين لكندا). نما نظام الرعاية الاجتماعية في كندا ، مثل معظم الدول الصناعية المتقدمة، نموا ملحوظا. لكن كان هنالك انكماش خلال العقود الأخيرة. طور هذا الوعد القوانين الاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية لكن كانت تعليقات لورييه كما تنبأ البعض قصيرة المدى.
يبدأ الكاتب حديثه في هذا الفصل بتقديم السياقات التي جعلت التطور في بداية القرن العشرين ممكنا، وهو السياق السياسي شاملا كندا دولة مستعمرة وكيف أثر هذا في إنمائها وما فعلته من إجراءات لضمان رفاهيتها وتحسين مستوى الأجور بها. ثم السياق الاقتصادي والديمغرافي، ثم السياق الاجتماعي وما تتضمنه من حركات اجتماعية كان لها دور “إصلاحي” مثل الحركة الاجتماعية الإنجيلية، والحركة النسائية،والنقابة العمالية ، والعمل في الخدمات الاجتماعية. ثم يسعى المؤلف بعد ذلك إلى تحويل الانتباه إلى وضع القوانين الاجتماعية خلال التسعينات من القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين ومن ثم مقارنتهم بالقوانين الاجتماعية في نهاية القرن العشرين، مثل قوانين السجون والمستشفيات ومستشفيات الأمراض العقلية، وتشريعات شؤون الأطفال، وحقوق العمال، والقوانين حيال السكان الأصليين والمهاجرين، ثم الفترة المؤسسية في كندا خلال القرن العشرين وكيف أثرت “هذه الروح” على القوانين المتعلقة بحقوق ورفاهية قطاعات وشرائح عريضة في المجتمع، ثم الفارث بين هذه الحقبة وبين حقبة انبعاث روح الجماعة المابعد مؤسسية في التسعينات من القرن العشرين. ثم يتحدث المؤلف عن البرامج الاجتماعية الكبرى في كندا وهي برامج الحكومة الفيدرالية مثل برنامج تأمين الوظيفة، وبرنامج خطة المعاش التقاعدي، وضمان المسنين، والإعانة المكملة للدخل، ومعاش الزوج، ومعاش المسنين، والمعاش التقاعدي لقدلمى الحرب، وبرنامج المساعدة لإعادة التوطين، وفائدة ضريبة الأطفال، وبرنامج الرعاية الصحية.
ثم يتكهن المؤلف بمستقبل تارعاية الاجتماعية في كندا في ظل العولمة وتغير الخلفيات السياسية للأحزاب الحاكمة.