يتناول كتاب «السعودية السياسي والقبيلة» للدكتور محمد بن صنيتان الدور الذي لعبته القبيلة في دعم التحولات السياسية على نحو انتهى الى قيام كيان قوي في السعودية. وحسبما يذهب المؤلف الدكتور محمد بن صنيتان فقد وفرت القبائل ممثلة بأخوة ابن سعود قوة عسكرية وسياسية تمكنت من توحيد شبه الجزيرة بكيان واحد أعاد المركز إلى الجزيرة العربية الذي فقدته، حسب وصف المؤلف، منذ وفاة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وقد أفلحت شخصية الملك عبد العزيز التي تميزت بالعبقرية والحظ في تحويل القبائل المتناحرة التي يغزو بعضها بعضا وتأخذ الإتاوة من بعضها إلى أخوة في الإسلام والوطن حتى أصبحوا مادة الدولة، ومجتمعا واحدا عوضا عن قبائل متفرقة ومتقاتلة، فمثل المجتمع نسيجا كاملا ووحدة جغرافية واستطاعت الدولة السعودية الثالثة في نشأتها أن تجعل ابن القبيلة يتعالى على الثأر فأشاعت ثقافة جماهيرية موحدة بين الحضر وسكان الواحات والقبائل الراحلة. يشير المؤلف إلى أن القبيلة تحكمت وما زالت بالتاريخ الاجتماعي والسياسي للجزيرة العربية ولم تستطع مختلف التحولات سواء الدينية أم المذهبية أم الاقتصادية أو السياسية وظهور الدول الحديثة على أساس السيادة الإقليمية أن تزيلها، حيث صمدت القبيلة وغيرت من وظائفها وأدوارها وتعبيراتها ولم تندثر.

وفي إطار استعراض لمواريث المجتمع السعودي يتطرق محمد بن صنيتان إلى نظام الغزو أو القوة، فالغزو، حسبما يشير الكتاب، كان في الجزيرة العربية قبل الحرب العالمية الأولى ظاهرة اجتماعية اقتصادية ولم تكن المنطقة ومن يستوطنها من القبائل العربية استثناء بل في آسيا الوسطى والقبائل العربية في إفريقيا الشمالية وحتى القبائل السوداء في أفريقيا تمارس الغزو.

فالمجتمع البدوي يرحل ويستقر ويرعى ويهبط البنادر للتزود بالمؤن ويغزو باعتباره كيانا واحدا وهو ما أعطى المجتمع القبلي قوة وتماسكا. والغزو هو الذي يشعل المنافسة بين القبائل فتترتب القبائل في السلم الاجتماعي وفق مفعولهم في الغزو.

وهو يؤدي إلى تراتب القبيلة أو تشرذمها وقد يكون من مقاصده إظهار قوة شوكة القبيلة لتهابها بقية القبائل ولا تطمع فيها. وهنا يوضح أن الغزو يتم لا بقصد التدمير أو الكراهية أو العدوانية ولكنه بدافع الاقتصاد القبلي بما يجنيه الكسب الغزوي من أخذ الماشية ورفقة الطريق والرسم على الطريق وتأجير القوافل للتجارة أو الحج.

ثم يتناول المؤلف جانبا آخر في هذا الصدد يتعلق بالتقسيم القبلي للعمل، فيشير إلى أن السكان وبالذات في نجد لم يعرفوا قبل توحيد الجزيرة العربية تقسيما دقيقا للعمل. ومن الناحية العسكرية فإن جميع أفراد المجتمع تلقائيا يصبحون جنود حرب، وعندما تضع الحرب أوزارها بعودة كافة أفراد القبيلة قوة عمل كل بحسب مهنته السابقة. ومن الناحية السياسية كان يوجد ما يعرف باللجوء السياسي، فعندما يلجأ أحد أفراد القبائل أو الإمارات المجاورة إلى أمير آخر طالبا حمايته يعطيه الأمير الأمان ويصبح لاجئا سياسيا في العرف الدبلوماسي.

وفي إطار الاستعراض التفصيلي للجانب الخاص بالمواريث يتناول الجانب الخاص بالزعامة فيشير إلى أن شيخ القبيلة كان هو المدبر لأمرها وهو المسؤول عن كافة شؤونها مضيفا أن شيخ القبيلة كان يستحدث مصدر نفوذه من نقاوة النسب، إضافة إلى خصال تشكل له في النهاية رأسمال يمنحة مكانة عالية ترشح لتحمل المسؤولية وهى في النهاية خصال تدعم قيمتي القوة والذكاء.

ثم ينتقل إلى الحديث عن المحدد العسكري والسياسي ممثلا في التحالف القبلي والعسكري والتحالف السياسي والعسكري (مؤسسة الإخوان) والهجر (القواعد العسكرية) مشيرا إلى أن ميلاد الدولة السعودية تم ضمن مسار ولادة ذاتية محضة لتطور داخلي حكمته عوامل تخص بالدرجة الأولى الخصوصيات المعقدة التي ميزت الجزيرة العربية في القرن الماضي والمرتبطة على وجه الدقة بالإصلاح الديني والوعي القبلي ذي النزعة التوحيدية للمكان والعقيدة فارتهن بناء الدولة سوسيولوجيا بعاملي القبيلة والدين.

وهنا يؤكد المؤلف أن المملكة إنما نشأت استجابة لعوامل ذاتية تخمرت عبر ما يزيد على قرنين في أحشاء الجزيرة العربية وخصوصا الدعوة السلفية الوهابية في مسارها الشاق، وطموح أسرة آل سعود (أسرة نجدية من قبيلة بني حنيفة) في تقوية مركزها ومد نفوذها مستفيدة من التشتت القبلي وما آلت إليه أمور الجزيرة العربية من تطاحن .

وقتال بين القبائل العربية أولا وما آلت إليه ثانيا حواضر الجزيرة وباديتها من جراء الدول الضعيفة وثالثا التحولات العالمية التي سبقت الحربين العالميتين وفطنة الملك عبد العزيز الذي استغل الساحة العالمية أيما استغلال مستفيدا من الفراغ السياسي في الجزيرة العربية مع إيمان البريطانيين بأن شخصية الملك عبد العزيز هي الشخصية التي يعتمد عليها في تلك المرحلة.

التحكم بالتاريخ

يشير المؤلف إلى أن القبيلة تحكمت وما زالت بالتاريخ الاجتماعي والسياسي للجزيرة العربية ولم تستطع مختلف التحولات سواء الدينية أم المذهبية أم الاقتصادية أو السياسية وظهور الدول الحديثة على أساس السيادة الإقليمية أن تزيلها، حيث صمدت القبيلة وغيرت من وظائفها وأدوارها وتعبيراتها ولم تندثر.

المؤلف في سطور

كاتب وباحث سعودي صدر له من قبل عدد من الكتب منها كتاب «النخب السعودية: دراسة في التحولات والإخفاقات» عن مركز دراسات الوحدة العربية درس من خلاله مكونات النخب السعودية ومحاولة تشخيص جملة الأسباب التي حدت من فاعليتها وأعاقت أداءها لجملة وظائفها الريادية، وفي جملتها المساهمة من موقع متقدم في التحديث الاجتماعي والسياسي الحقيقي بما يدعم المواطنة والمشاركة السياسية الواسعة والعدالة الاجتماعية.

كما صدر له كذلك كتاب بعنوان «التقاعد» وهو يتناول التقاعد من النواحي النفسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية المترتبة على التقاعد مع تدوين ملاحظات المتقاعدين وتطلعاتهم. كما يساهم المؤلف بالعديد من المقالات في الصحف السعودية والعربية ومنها مقال «الإخلاص والاحتراف للأمن السعودي في مواجهة الإرهاب» ومقال بعنوان «إصلاح الوضع العربي والمبادرة السعودية».

ألفت عبد الله

رابط المقال :

https://www.albayan.ae/paths/books/2008-11-09-1.690581?ot=ot.AMPPageLayout

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق

السلة

لا يوجد منتجات في سلة المشتريات.