“التاريخ المفقود لليبرالية: من روما القديمة إلى القرن الحادي والعشرين”

المؤلفة:

“هيلانا روزنبلات”، وهي أكاديمية بارزة في جامعة مدينة نيويورك، وحاصلة على الدكتوراة من جامعة كولومبيا، ويقع نطاق عملها البحثي في التاريخ الفكري لأوروبا، والليبرالية، والقومية، والفكر المسيحي، والتنويرية، والتاريخ الحديث. وبالإضافة إلى هذا المؤلف فلها أكثر من كتاب عن عن جان جاك روسو، وكتاب عن القيم الليبرالية وسياسات الدين، وكتاب عن الليبرالية الفرنسية من وقت مونتسكيو إلى اليوم. ولها مقالات عديدة منشورة في الجارديان وغيرها عن التنويرية المسيحية، والمصادر الفكرية للائكية، وأزمة الديموقراطية الليبرالية.  https://www.gc.cuny.edu/Page-Elements/Academics-Research-Centers-Initiatives/Doctoral-Programs/History/Faculty-Bios/Helena-Rosenblatt

عن الكتاب

“الوجه المتغير للعقيدة الليبرالية منذ العصر القديم إلى يومنا هذا”

يتحدى هذا الكتاب أهم افتراضاتنا الأساسية حول العقيدة السياسية التي أصبحت صيحة عالية، على الصعيد العام المتسم بالانقسام المتزايد في أيامنا هذه. خلال رحلتها داخل الكتاب من روما القديمة إلى يومنا هذا، تتتبع المؤلفة تطور مصطلحي “ليبرالي” و “الليبرالية”، كاشفة عن النقاشات الحادة التي دارت حول هذين المصطلحين.

في كتابها، المناسب للوقت الحالي، تكشف المؤلفة عن الخرافة الشهيرة لليبرالية وهو كونها تقليدًا أنجلو أمريكيًا فريدًا يرتكز على الحقوق الفردية. وتوضح المؤلفة أنَّ الليبرالية تولّدت عن الثورة الفرنسية، وأنَّ الألمان هم من حولوها. أصبح هذا المفهوم معروفًا على نطاق واسع في الولايات المتحدة فقط في منتصف القرن العشرين، وبعده ولا يزال معناها موضع نقاش حاد. كان الليبراليون في أساس نشأتهم معنيون بالأخلاق، وكانوا يؤمنون بقوة ومكانة الدين لإصلاح المجتمع، وشدّدوا على قداسة الأسرة، ولم يتحدثوا أبدًا عن الحقوق دون التحدث عن الواجبات. ومع الحرب الباردة في ظل هيمنة أمريكا المتنامية على العالم تمّ إعادة صياغة الليبرالية إلى أيديولوجية أميركية تركز بقوة على الحريات الفردية.

واليوم، ما زلنا غير قادرين على الاتفاق على معنى الليبرالية. في الولايات المتحدة: “الليبرالي” هو شخص يدافع عن مبدأ “الحكومة الضخمة”، بينما في فرنسا، “الحكومة الضخمة” تتعارض مع “الليبرالية”. النقاشات السياسية تصبح مرتبكة بالتوازي مع الارتباك الدلالي والمفاهيمي للمصطلح. هذا الكتاب يضع الأمور في نصابها على أساس مبدأ أساسي في الحوار السياسي الحالي، ويضع الأسس لإجراء نقاش بنّاء حول مستقبل الديمقراطية الليبرالية.

مقدمة الكتاب:

الليبرالية هي كلمة أساسية وواسعة الانتشار في مفرداتنا، لكن في نفس الوقت هي مفهوم مثير للجدل وبقوة؛ فبينما يراها البعض على أنَّها هدية الحضارة الغربية إلى البشرية، يراها الآخرون على أساس أنَّها سبب انتكاس البشرية وتقهقرها. هناك العديد من الكتب تنتقد الليبرالية، والعديد منها أيضًا يمدحها، وبين هذا وذاك يصعب أن يظل أحد على الحيادية تجاه الليبرالية. النقاد يتهمون الليبرالية بقائمة طويلة من الخطايا؛ فيقولون أنَّها تدمر الدين والأسرة والمجتمع، وأنَّها تراجع أخلاقي متعطش، وأحيانًا عنصري وجنسي، واستعماري. أمَّا المدافعون عن الليبرالية فهم على نفس القدر من الثقة؛ فيقولون إنَّ كل القيم التي نفخر بها في عصرنا الحالي من المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية وليدة عن الليبرالية.

لكن الحقيقة هي أنَّنا نعيش حالة من الخلط والارتباك بشأن ما نعنيه بالليبرالية.  يستخدم البشر مصطلح الليبرالية في قطاعات وطرق مختلفة ومتنوعة بشكل متعمد تارة وبشكل غير مقصود تارة أخرى. هم يتكلمون , وتتداخل نقاشاتهم ولا يكترث أحد للآخر، مما يحول دون إمكانية إجراء نقاش معقول. سيكون من الجيد معرفة ما نتناقش حوله عندما نتحدث عن الليبرالية.

وفي هذا الصدد فإنَّ تاريخية الليبرالية المتاحة نادرًا ما تكون مساعدة ومجدية. أولًا، غالبًا ما تكون متناقضة، فعلى سبيل المثال وفقا للبعض فإن الليبرالية نشأت عن المسيحية، وعند الآخرون فإنَّ الليبرالية نشأت كرد فعل مناهض للمسيحية. ثانيًا، بالنسبة لجينالوجيا الليبرالية أو أنسابها؛ فإنَّ أصولها وتطورها تعود إلى مجموعة من المفكرين العظام لكن في النهاية يقع الخلاف حول من يكون هذا الشخص الذي تنتسب إليه الليبرالية جينالوجيًا. في الغالب ما يتم تقليد “جون لوك” لقب الأب المؤسس، والبعض يقدم “هوبز” أو “مكيافيلي”، ولا يزال آخرون يقدمون “أفلاطون” أو حتى “يسوع المسيح”، والبعض يقدم آدم سميث وبعض الاقتصاديين، والبعض لا يعتقد ذلك. ما يجب أن نعلمه، أنَّه لا أحد من هؤلاء المفكرين الأوائل اعتبر نفسه ليبراليًا أو اعتنق الليبرالية لأنَّه لم يكنْ هذا المصطلح ولا هذا المفهوم موجود في عصورهم. وغني عن القول أنَّ أفكارنا عن الليبرالية سوف تختلف وفقًا لاختيارنا لهؤلاء المفكرين وكيفية قراءة أعمالهم؛ فمن يختار “هوبز” أو “مكيافيلي” من المحتمل أن يكون ناقدًا لليبرالية التي يدافع عنها الشخص الذي اختار المسيح.

لا أهدف من هذا الكتاب إلى الهجوم على الليبرالية أو الدفاع عنها، ولكن للتأكد من معناها وتعقب تحولها بمرور الزمن، وأوضح ما يعنيه هذان المصطلحان “الليبرالي” و “الليبرالية” بالنسبة للأشخاص الذين استخدموهما، وأبين كيف عرَّف الليبراليون أنفسهم، وما الذي كانوا يعنونه عندما تحدثوا عن الليبرالية. هذه قصة لم تحكى من قبل!

يقر معظم العلماء بوجود مشكلة في تعريف الليبرالية. يبدأون عملهم بإقرار أنَّه مصطلح زلق ويتسم بقلة الوضوح والغموض. لكن الشيء الغريب هو أنَّ معظمهم يشرع في وضع تعريف شخصي وبناء تاريخ يدعم هذا التعريف. هذا، كما أؤكد، هو أن أتجادل إلى الخلف، ولكن في هذا الكتاب أنا أقوم بفك أفكارنا ووضع القصة بشكل مستقيم. ما لم يذكر خلاف ذلك، كل الترجمات من صياغتي.

هناك المزيد من الألغاز والفضول؛ فمثلًا في اللغة العامية في فرنسا وأجزاء أخرى من العالم اليوم، فإنَّ الليبرالية تعني تفضيل “حكومة صغيرة”، بينما في أمريكا تعني تفضيل “الحكومة الضخمة”. يدَّعي الليبراليون الأمريكيون اليوم أنَّهم الليبراليون الحقيقيون. بطريقة ما، من المفترض أن يكون هؤلاء الناس جزءًا من التقاليد الليبرالية نفسها. لماذا وكيف حدث هذا؟ هذا ما أسعى إلى تفسيره.

ما أقترحه بصورة أساسية هو تاريخية الليبرالية. إنَّني على يقين من أنَّنا إذا لم نهتمْ بالاستخدام الفعلي للكلمة، فإنَّ التأريخات التي نرويها حتمًا ستختلف، بل وستكون متضاربة. كما سيتم بناؤها على أسس ضعيفة من الوقائع التاريخية، وستشوبها مفارقة تاريخية.

مقاربتي تؤدي إلى بعض الاكتشافات المدهشة؛ أولها، مركزية فرنسا في تاريخ الليبرالية، فلا يمكننا التحدث عن تاريخ المفهوم دون اعتبار فرنسا وثوراتها المتتالية، ولا يمكننا تجاهل حقيقة أنَّ بعض المفكرين الأكثر عمقًا وتأثيرًا في تاريخ الليبرالية كانوا فرنسيين. وثانيها؛ هو ألمانيا، والتي عادة ما يتم الانتقاص من تقدير مساهماتها في تاريخ الليبرالية إن لم يتمْ تجاهلها بالكامل. والحقيقة هي أنَّ فرنسا اخترعت الليبرالية في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، وأعادت ألمانيا تشكيلها بعد نصف قرن. امتلكت أمريكا الليبرالية فقط في أوائل القرن العشرين، وعندها فقط أصبحت الليبرالية تقليدًا سياسيًا أمريكيًا.

سنرى أنَّ العديد من الأفراد غير المعروفين نسبياً اليوم قدَّموا مساهمات كبيرة في الليبرالية. ابتكر اللاهوتي الألماني “يوهان سيملر” الليبرالية الدينية، وربما اخترع الفرنسي “شارل دي مونتاليمبيرت” مصطلح “الديمقراطية الليبرالية”. ومع ذلك، ساهم لاعبون رئيسيون آخرون في المجلة الأمريكية “الجمهورية الجديدة”، وهذا ما ساهم في استيراد الفكرة ونشرها في أمريكا.

إنَّ الليبراليين الذين ينظر إليهم عادة كسند معياري مثل “جون لوك” و”جون ستيوارت ميل” يلعبون أدوارًا مهمة في روايتي، ولكن، كما سنرى، كانوا منغمسين بعمق في مناقشات زمانهم وعصورهم. تحدثوا واستوحوا من المفكرين الفرنسيين والألمان، وتحدثوا مباشرة إلى من عاصرهم، وليس معنا. تناولوا مشاكل عصرهم، وليس مشاكلنا. بالإضافة إلى ذلك، أسلط الضوء على الشخصيات التي ساهمت عن غير قصد في تاريخ الليبرالية، مثل “نابليون الثاني والثالث”، والمستشار النمساوي “كليمنس فون مترنيخ”، والعديد من الشخصيات المعادية للثورة، الذين أجبروا الليبراليين على شحذ وتطوير معتقداتهم.

أخيراً، أقوم بتوضيح ما أعتقد أنَّه حقيقة مهمة فُقِدت من التاريخ. في الواقع، كان معظم الليبراليين أخلاقيين. وليبراليتهم لا علاقة لها بالفردية الذروية التي نسمع عنها اليوم. لم يتحدثوا أبدًا عن الحقوق دون التشديد على الواجبات، فيعتقد معظم الليبراليين أنَّ الناس يتمتعون بحقوق لأنَّ عليهم واجبات، وكان معظمهم مهتمين بشدة بمسائل العدالة الاجتماعية، ورفضوا دائمًا فكرة أنَّه يمكن بناء مجتمع قابل للحياة على أساس الاكتفاء الذاتي وحده، وحذروا كثيرًا من مخاطر الأنانية، ودافع الليبراليون بلا كلل عن الكرم، والاستقامة الأخلاقية، والقيم المدنية. هذا، بالطبع، لا يعني أنَّهم يمارسون دائمًا ما يبشرون به أو يرقون إلى قيمهم.

كما أسعى أيضًا لتوضيح فكرة أنَّ الليبرالية هي التقليد الأنجلو أمريكي، والتي تهتم في المقام الأول بحماية الحقوق الفردية والمصالح، هو تطور حديث جدًا في تاريخ الليبرالية. إنَّه نتاج حروب القرن العشرين، وخاصة الخوف من الشمولية خلال الحرب الباردة. في القرون الماضية، كان لفظ “ليبرالي” يعني شيئًا مختلفًا جدًا. كان يعني أنْ تكونَ مواطنًا متمدينًا ذا عطاء، وهذا يعني فهم اتصال المرء بالآخرين، والعمل بطرق تفضي إلى الصالح العام.

من البداية، والليبراليون مهووسون بالحاجة إلى الإصلاح الأخلاقي. وتخيلوا مشروعهم على أساس أنَّه نهج أخلاقي، وهذا الاهتمام بالإصلاح الأخلاقي يساعد على تفسير اهتمامهم الدائم بالدين، ويعد هذا هدفًا آخر للكتاب في إعادة تقويم مناقشاتنا لإفساح المجال لهذه الحقيقة المهمة لأوضح أنَّ الأفكار والخلافات الدينية أثارت مناقشات حول الليبرالية منذ البداية وأنَّها استقطبت الناس إلى معسكرات معادية، وكانت أحد أبكر الهجمات على الليبرالية تصفها بأنَّها “بدعة سياسية دينية”، وهو ما حدَّد لهجة القرون التالية. ولحين يومنا هذا، يتعين على الليبرالية أن تدافع عن نفسها ضد الاتهامات الدؤوبة  بالفسوق واللادينية.

حقيقة أن الليبراليين يرون أنفسهم كمصلحين أخلاقيين لا يعني أنَّهم كانوا بلا خطيئة، فلقد كشف الكثير من العمل الحديثَ عن جانب مظلم من الليبرالية مثل: النخبوية، والتمييز على أساس الجنس، والعنصرية، والإمبريالية التي اتّسم بها العديد من الليبراليين. كيف يمكن لأيديولوجية مكرسة للمساواة في الحقوق أن تساند مثل هذه الممارسات الشنيعة؟ أنا بالتأكيد لا أنكر الجوانب الوضيعة من الليبرالية، ولكن من خلال وضع الأفكار الليبرالية في سياق وقتهم، أقول قصة أكثر تعقيدًا وتعقيدًا.

لا أدّعي أن يكون عرضي لهذا الأمر بأن يكون شاملا. وعلى الرغم من أنَّني أشير إلى الليبرالية في أجزاء أخرى من العالم، فإنني أركز على فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، وقد يبدو هذا الاختيار تعسفيًا أو مفرط التقييد بالنسبة للبعض. بالطبع، ساهمت دول أخرى في تاريخ الليبرالية؛ لكنني أعتقد أنَّ الليبرالية ولدت في أوروبا وانتشرت إلى الخارج من هناك. وبشكل أكثر تحديدًا، فإنَّ الليبرالية تدين بأصلها للثورة الفرنسية، وحيثما هاجرت بعد ذلك، بقيت مرتبطة  ومتأثرة بشكل وثيق بالتطورات السياسية في فرنسا.

المصدر: http://assets.press.princeton.edu/chapters/i13258.pdf

https://press.princeton.edu/titles/13258.html

صدر الكتاب عام 2018 في 368 صفحة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق

السلة

لا يوجد منتجات في سلة المشتريات.