الأنثروبولوجيا واللقاء الكولونيالي

تحرير: طلال أسد

يتألف الكتاب من بابين ومقدمة لطلال أسد.

يقع الباب الأول في أربعة فصول، وهو عبارة عن دراسات نظرية عامة تشتمل لعدد من الأنثروبولوجيين عن الموضوعات التالية: مراجعة لنقد اليسار الجديد للأنثروبولوجيا الاجتماعية؛ الأنثروبولوجي بوصفه إمبرياليًّا ممانعًا، علم الأنثروبولوجيا والمؤسسات الداعمة لها؛ الأنثروبولوجي الوظيفي والمستشرق الإسلامي.

أما الباب الثاني فيتناول حالات تطبيقية: الإدارة الكولونيالية والأنثروبولوجيا الاجتماعية (نيجيريا الشرقية 1920-1940)، السلام البريطاني والسودان (الأنثروبولوجي زيجفريد فريدريك نادل)، الأنثروبولوجيا والحكم الكولونيالي (الأنثروبولوجي جدفري ويلسون وتأسيس معهد رودز ليفنجستون)، الكولونيالية وتصور التقاليد في جُزر فيجي، السياسة الإمبريالية ونظريات التغير الاجتماعي (سير ألفريد ليال في الهند)، نقد محلي للكولونيالية (جماعة الفيبا في تنزانيا)، ملاحظات من العالم الثالث عن الأنثروبولوجيا والكولونيالية (السودان).

ما هي الأفكار الرئيسية التي ينبني عليها الكتاب؟

    يتناول الكتاب انحسار الأنثروبولوجيا الوظيفية وأزمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية، وتفسيراتها الآلية الجامدة، حيث استمرت الأنثروبولوجيا الاجتماعية، وبخاصة الأنثروبولوجيا الاجتماعية البريطانية، في تعريف نفسها في العصر الكولونيالي بأنها دراسة المجتمعات والثقافات البدائية، وليس المجتمعات المستعمرة، بمعنى أن عالم الأثنروبولوجيا يعيش مع الناس، ويدرس كل شيء عنهم، بما في ذلك القرابة والدين والاقتصاد والمؤسسات السياسية والفنون باعتبارها أجزاءً من أنظمة اجتماعية عامة، في انفصال عن الموقف الاستعماري وأثره في حياة الناس ومستقبلهم.

     يكشف الكتاب العلاقة المركبة بين الأنثروبولوجيا والمؤسسات الراعية له، ويؤكد أن الأنثروبولوجيا بدأت مع بداية العصر الكولونيالي، وازدهرت عند أفوله، فبعدما تفككت الإمبراطوريات الكولونيالية، تم توفير الدعم المالي لخطط بحثية ضخمة في العلوم الطبيعية والاجتماعية، وتم تأسيس رابطة الأنثربولوجيا الاجتماعية في بريطانيا على يد باحثين من المعهد الأنثربولوجي الملكي، وارتبطت الأنثروبولوجيا الاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية بالدعم المالي من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، بغرض تيسير السياسات العسكرية الأمريكية في شرق آسيا وجنوبها.

    يفكك الكتاب ادعاءات الأنثروبولوجيا بالتزام الموضوعية والحيدة، علاوة على احتفائها بالانفصال عن القيمة في البحث العلمي، ومن ثم طرح مفاهيم بديلة، مثل الالتزام بالقيمة والالتزام الجمعي. ويكشف الكتاب عن تناقصات الأمر وتعقيداته، ويبرز القيود التي واجهها الأنثربولوجيون في أبحاثهم ومنع القوى الاستعمارية لهم من الوصول إلى الأرشيفات، مما يعنى أنه كان يصعب عليهم توجيه النقد الصريح لأشكال الحكم الكولونيالي، فكانوا نافعين للإدارة الكولونيالية، ولكن السلطات الراعية لهم كانت تقيد حريتهم في البحث، وبذلك ارتبطت الأنثربولوجيا الاجتماعية بجمع الحقائق واقتراح الحلول للمشكلات العملية، وتركت القرار لرجال الدولة، فوقعت المسؤولية في نهاية الأمر على عاتق الإدارة الكولونيالية، وهذا يعني أن الأنثروبولو جيا الاجتماعية كانت وصيفة للكولونيالية العملية وخادمة لمصالحها، وكان منهجها الوحيد هو السؤال والإجابة والملاحظة اليومية لأفعال الناس. وفي هذا الإطار تظهر إشكالية الحرية الأكاديمية والرقابة الذاتية والنزعة البراجماتية.

ما هي وجهة نظر الكاتب التي يتحيز لها في كتابه؟

     يرى محرر الكتاب أن الأنثربولوجيا تضر بجذورها في لقاء السلطة غير المتكافيء بين الغرب والعالم الثالث، وهو لقاء يعود إلى ظهور البرجوازية الأوروبية ، لقاء لا تمثل فيه الكولونيالية سوى لحظة تاريخية واحدة، وهذا اللقاء هو الذي يمد الغرب بالمعلومات التاريخية والثقافية  عن المجتمعات التابعة، مما يعزز عدم تكافؤ القدرات بين العالم الأوروبي والعوالم غير الأوروبية، وبين النخب المندمجة في الثقافة الأوروبية والجماهير التقليدية في العالم الثالث.

   يحذر محرر الكتاب بأنه من الخطأ النظر إلى الأنثروبولوجيا الاجتماعية في العصر الاستعماري على أنها بالأساس أداة مساعدة للإدارة الكولونيالية، أو على أنها مجرد انعكاس للأيديولوجية الاستعمارية؛ ذلك لأن الوعي البرجوازي الذي لا تعدو أن تكون الأنثروبولوجيا الاجتماعية شذرة واحدة منه قد احتوى دومًا بداخله على تناقضات والتباسات. ويتطلب فهم هذه التناقضات التركيز على علاقات السلطة التاريخية بين الغرب والعالم الثالث، وارتباطها بصورة جدلية بالظروف العملية والمنتج الفكري لكافة الحقول التي تمثل الفهم الأووربي للمجتمعات غير الأوروبية.

يؤكد محرر الكتاب أن ظهور الأنثروبولوجيا الاجتماعية في حقبة ما قبل الحرب العالمية الثانية إنما يقوم على علاقات السلطة بين الثقافات الأوروبية المهيمنة والثقافات الخاضعة غير الأوروبية، حيث توظيف المعرفة الأنثروبولوجية، والتحيز النظري في معالجة الموضوعات، والإدراك النمطي للمجتمعات الغريبة وتشييئها. وهو يؤكد أن بنية السلطة الكولونيالية أتاحث موضوع الأنثروبولوجيا، ووفرت إمكانية قرب المُراقب الأوروبي من المجتمعات غير الأوروبية ودعّمت بقاء هذا القرب. ويلاحظ الكاتب أنه لا يوجد أنثروبولوجي أوروبي واحد انجذب شخصيًّا إلى الثقافة التابعة التي درسها، في حين أن كثيرًا من غير الأوروبيين الذين أتوا للغرب لدراسة ثقافته قد أبدوا إعجابهم بها، وساهموا في فهم الناس لها. ومن هنا يؤكد الكاتب على انعدام التكافؤ في عالم السلطة مهما كانت إيجابيات الأنثروبولوجيا الاجتماعية. فإذا كان علماء الأنثروبولوجيا قد نجحوا في تسجيل أنماط الحياة وحفظوها في الذاكرة البشرية من الضياع والنسيان، فإنهم ساهموا بصورة غير مباشرة في الحفاظ على بنية السلطة التي تمثلها المنظومة الكولونيالية؛ ذلك لأن إسهامات الأنثروبولوجيا الوظيفية لم تمثل تحديًا للعالم غير المتكافيء الذي تمثله بنية المنظومة الاستعمارية، ولم تُخضع تلك المنظومة الكولونيالية نفسها للتحليل والنقد، فالمنتج الفكري النهائي هو منتج علاقات السلطة، وهو بذلك منتجٌ مشوه. ومهما ادعى علماء الأنثروبولوجيا الالتزام بالموضوعية والحيدة في دراساتهم، ومهما ميزوا أنفسهم عن التجار والساسة والإداريين الأوروبيين، فإنهم عجزوا عن التعبير عن مستقبل سياسي مختلف للشعوب التابعة التي درسوها.

ما الذي يمثله هذا الكتاب من إضافات في حقله المعرفي؟

الكتاب صدر عام 1973، وهو العام نفسه الذي صدر فيه كتاب كليفورد جيرتز تحت عنوان “تأويل الثقافات”. والجديد الذي يقدمه الكتاب هو التركيز على علاقات السلطة ودورها في تشكيل علم الأنثروبولوجيا. فثمة معركة نقدية غير معلنة في هذا الكتاب بين كليفورد جيرتز وطلال أسد حول الأنثروبولوجيا وعلاقتها بالسلطة (موضوع الكتاب)، حتى أن جيرتز اتهم أسد بأنه رجل مهووس بفكرة السلطة (التي أغفلها جيرتز في مشروعه الأنثروبولوجي وفي كتابه عن تأويل الثقافات). ولكن الكتاب لا يذكر شيئًا عن هذه المعركة، ولذا فهو يحتاج إلى مقدمة للترجمة العربية تبرز هذه المعركة الفكرية وتداعياتها.

الكتاب كلاسيكي مثل كتاب “تأويل الثقافات” لكليفورد جيرتز الصادر عام 1973 أيضًا، ويعمل على تكميل الصورة بعرض الخلفية الكولونيالية لعلم الأنثروبولوجيا، وبخاصة في ظل الانتشار الواسع للترجمة العربية الوحيدة لكتاب كليفورد جيرتز عن تأويل الثقافات (2009)، وفي ظل الخلاف الواسع بين طلال أسد وكليفورد جيرتز حول الأنثروبولوجيا ومناهجها ومآلاتها وتحيزاتها وعلاقتها بالسلطة (أسد) واللعب (جيرتز).

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق

السلة

لا يوجد منتجات في سلة المشتريات.