معتز غانم – التقرير

كتاب “آل بن لادن: عالم النفط والمال والإرهاب”؛ الذي صدر مترجمًا من “الشبكة العربية للأبحاث والنشر” لمؤلفه الصحفي الأمريكي “ستيف كول” -المختص بالشأن الأفغاني، والذي له عدة كتب ضمن الصحافة التحقيقية-، في هذا الكتاب الضخم (780 صفحة من القطع الكبير) يتتبع تاريخ عائلة “بن لادن” وعلاقتها المتشعبة بين عوالم النفط والمال في السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والشرق الأوسط، إلى ساحات الجهاد العالمي بقيادة ابن العائلة الأشهر (أسامة).

الكتاب مقسم إلى أربع مراحل زمنية؛ وهي:

المرحلة الأولى: من عام 1900 حتى وفاة مؤسس العائلة في عام 1967.

المرحلة الثانية: مرحلة الجيل الثاني في العائلة حتى عام 1988.

المرحلة الثالثة: يخصص معظمها لحياة أسامة قبل أحداث 11 سبتمبر.

المرحلة الرابعة: يخصصها لتداعيات أحداث سبتمبر على العائلة، وأعمالها حول العالم.

يخصص المؤلف القسم “الأول” من الكتاب لحياة مؤسس العائلة “محمد بن لادن”، المهاجر اليمني “الفقير” من قرية “قرن باشريح ” في “حضرموت”، والذي سيصبح لاحقًا أحد أنجح رجال الأعمال العرب، ومن صفوة رجال الأعمال الذين تعتمد عليهم العائلة الحاكمة في السعودية لتنفيذ المشاريع في المملك.، ويسرد المؤلف بداية اختيار مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود لمحمد بن لادن لتنفيذ القصور له وللأمراء في مدن مثل: “الطائف وجدة” وغيرهما بعد أن انتهى الملك عبد العزيز من توحيد المملكة تحت حكمه، ثم مع بدء استفادة المملكة من عائدات النفط ووضع الخطط التنموية في البلاد؛ بدأت مشاركة شركة بن لادن في المشاريع التنموية في عهد الملك سعود، ثم الملك فيصل؛ مثل: تعبيد الطرق، والبِنَى التحتية، وشبكات الكهرباء والماء، ومن ثَمَّ أولى مشاريع التوسعة الكبرى في الحرمين الشريفين في المدن المقدسة، والتي أضاف إليها محمد بن لادن أول مشروع لإعمار وتوسيع المسجد الأقصى في القدس، والذي كان أول مشروع تنفذه الشركة خارج المملكة السعودية، ويسلط المؤلف الضوء على جوانب مهمة من شخصية محمد بن لادن العِصَاميّة، وصرامته في إدارة إمبراطوريته المالية الناشئة، وعلاقته الواسعة مع العائلة المالكة بكل طموحاتها واختلافاتها وتناقضاتها، وزيجاته المتعددة، وأولاده الكثيرين، وهوايته التي سيورثها لكثير من أبنائه بعده، وهي حب الطيران، والتي ستكون سبب وفاته في حادث تحطم طائرته في الصحراء السعودية عام 1967.

أما القسم “الثاني”؛ فيسرد فيه المؤلف تاريخ الشركة بعد وفاة مؤسسها محمد بن لادن، التي على إثرها قام الملك فيصل خوفًا من تفكك الشركة، أو الاستحواذ عليها من مستثمرين أجانب؛ بتعيين مجلس أوصياء لإدارة أعمال الشركة، إلى أن تولى زمام الأمور أكبر أبناء محمد -ويُدعى “سالم”- ادارة الشركة، وإدارة شؤون العائلة المكونة مما يزيد عن خمسين أخًا وأختًا، واستمر “سالم” على نهج والده في إدارة الشركة وتنفيذ المشاريع الموكلة للشركة من آل سعود -على الصعيد المحلي-، مع توجه “سالم” -في نهاية السبعينيات- نحو توسيع نطاق أعمال الشركة في أوروبا وأمريكا، ومنها شركة تجارة عقارات مقرها في “جزر الأنتيل” الهولندية مع شريك أمريكي، وشركة قابضة في نيويورك للقيام باسثمارات في أمريكا وغيرها، وشاركه في التوجه العالمي شقيقه الأصغر “يسلم” المتحصل على تعليم غربي ممتاز، والذي يتقن عدة لغات أوروبية، والمتزوج من امراة طموحة “كارمن بن لادن” والتي سيصبح لها شأن واسع لاحقًا؛ حيث أسس “يسلم” شركة تعمل في تداول الأسهم والاستثمارات العقارية على المستوى الدولي، بالإضافة لشركات خارجية في “الكاريبي وأمريكا الوسطى وأوروبا” تعمل كملاجئ سرية للمعاملات المصرفية والضريبة للعائلة، ومع مرور الزمن بدأ عدد من الإخوة الذين تلقوا التعليم الهندسي الذي يتناسب مع مجال الشركة الرئيس وهو “الإنشاءات “، بدؤوا في تولى مناصب تنفيذية في الشركة؛ مثل “بكر” الذي تعلم الهندسة في جامعة أمريكية، والذي تولى منصب مدير المشروع الميداني لمشاريع الشركة في مكة والمدينة، وسيصبح بعد وفاة “سالم” مديرًا للشركة.

وفي عهد الملك فهد تعززت علاقة عائلة بن لادن معه وأسند الملك لسالم تنفيذ عدة مشاريع شخصية منها: طائرة خاصة للملك فهد؛ حيث استعان سالم بمعارفه في الولايات المتحدة؛ لوضع آخر منتجات الرفاهية والتكنولوجيا في طائرة الملك، بالإضافة إلى قصور جديدة للملك، والتي وضع فيها سالم إمكانيات الشركة جميعها حتى يُرضي أحلام الملك المُترَفة، وبعد شراء سالم منتجعًا سكنيًّا كبيرًا في فلوريدا؛ أصبح معتمدًا للترفيه عن كبار الشخصيات من العائلة المالكة من زوار الولايات المتحدة. وفي هذا القسم أيضًا يوضح الكاتب بداية العلاقات التي تجمع عائلة بن لادن بعدد من أساطين صناعة النفط الأمريكيين في ولاية “تكساس”؛ مثل “آل بوش، وجيمس بيكر” الذي سيصبح وزيرًا للخارجية في عهد بوش (الأب )، وغيرهم الكثير.

يعرج المؤلف أيضًا على جوانب من دراسة أسامة، الطالب الخجول في مدارس الثغر النموذجية في جدة التي أنشأها الملك فيصل؛ لتكون واجهة جذابة لحملة التجديد والتطوير في المملكة؛ حيث يدرس الطلاب اللغة الإنجليزية على يد مدرسين أجانب، ويرتدون زيًّا موحدًا مماثلاً لزي المدارس الإنجليزية، وفي هذه المدرسة بدأت علامات الالتزام الديني تظهر على أسامة مثل: إطلاق لحيته، وتقصير سرواله، والجدالات الدينية التي كان يخوضها مع زملائه، والمواعظ التي كان يلقيها على أقرانه في المدرسة، وبداية تأثره بفكر جماعة الإخوان المسلمين عن طريق مدرس سوري في مدرسته.

أما عن هوايات أسامة في مرحلة المراهقة؛ فكانت تتوزع بين متابعة مباريات كرة القدم على المستوى المحلي والدولي، فضلا ًعن ممارستها مع أقرانه في جدة، وشغفه بمشاهدة أفلام “الويسترن” الأمريكية، ومتابعة المسلسل الأمريكي الشهير آنذاك “بونانزا”.

في عام 1979 الذي تزامنت فيه أحداث خطيرة مثل سيطرة “جيهمان” وأتباعه على الحرم، واستخدام العنف لإخراجهم؛ الأمر الذي أدى إلى اهتزاز شريعة العائلة الحاكمة في المملكة، وتبعها قيام الثورة الإسلامية في إيران، ونشوء نطام معادٍ للمملكة هناك، ثم الغزو السوفيتي لأفغانستان، الذي رأت فيه السعودية محاولة شيوعية للسيطرة على آبار النفط، ازداد انخراط المملكة في السياسة الأمريكية في المنطقة ؛ حيث بدأ الدعم السعودي للمقاتلين الأفغان بإرسال الأموال إليهم، وتحولت القضية الأفغانية إلى قضية رأي عام في المجتمع السعودي. وفي بداية الثمانينيات؛ سافر أسامة إلى الحدود الأفغانية حاملا ًالتبرعات للمقاتلين الأفغان، وسَتَمُر زيارته ذهابًا وإيابًا لنقل الأموال وعقد الاجتماعات إلى أن أسس شبكة علاقات تشمل على أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، ومقاتلين أفغا،ن بالإضافة إلى شبكات خيرية مكونة من تجار وأثرياء سعوديين وعرب، كل هذا تحت إشراف مخابرات السعودية وباكستان.

في هذه المرحلة؛ التقى أسامه بشيخه الفكري الدكتور “عبد الله عزام”، والذي سيؤسس معه لاحقًا مكتب خدمات المجاهدين الذي يشرف على الدعم المالي والإعلامي، والتدريب للمقاتلين العرب في أفغانستان، والذين سيشكلون نواة ما سيُعرف لاحقًا بتنظيم القاعدة.

كالكثير من النخب السعودية التي ظهرت بعد الثورة النفطية؛ كانت تعاني عائلة بن لادن نوعًا من انفصام الشخصية بين أفراد يعيشون حياة غربية ويرتدون الجينز وتتسوق نساؤهم في متاجر باريس ولندن، وأخوة آخرون تلبس نساؤهم النقاب ويمنعون الاختلاط بين الرجال والنساء؛ فسالم (الأخ الأكبر) كان يعيش حياة علمانية متمتعًا بعلاقات نسائية واسعة مع نساء غربيات، ويتنقل بين العواصم الأوروبية في طائرته النفاثة، على عكس شقيقيه الأصغر منه سنًّا؛ مثل “أسامة ومحروس” اللذين كانا يغلب عليهما رفض نمط الحياة الغربية ،وفرض التزمت الديني على زوجاتهما وأبنائهما.

في القسم الثالث من الكتاب؛ يكمل المؤلف مسيرة العائلة بعد وفاة سالم بحادث تحطم طائرة في ولاية “كالفيورنيا” في عام 1988، وانتقلت مهام إدارة الشركة إلى شقيقه الأصغر (بكر) الذي قام بإعادة هيكلة الشركة.

بالإضافة إلى قيامه بأكبر عملية لتوزيع ممتلكات مؤسس العائلة (محمد بن لادن) على ورثته، والتي بلغت حصة كل فرد من الذكور قرابة 18 مليون دولار لكل منهم على صورة نقد أو أسهم متجددة، واستفاد كل منهم على طريقته؛ فأسامة قد استخدمها في تأسيس تنظيم القاعدة بعد وفاة سالم بأشهر قليلة، أما شقيقه “خليل” فقد أسس -مع شركاء من جنسيات متعددة- شركة تُدعى “أمريكا إن موشن” والتي يتكون نشاطها من تأجير الطائرات الفارهة وتأجير السجون للحكومة الأمريكية في ولاية “ماساتشوستس”. كما توزعت وتوسعت اسثمارات الأشقاء المرتبطة بالشركة الأم في السعودية، أو حول العالم عن طريق مشاريع شخصية لكل منهم.

وفي عام 1991 -عندما غزا “صدام حسين” الكويت- دب الرعب في العائلة المالكة السعودية؛ مما دفعهم إلى السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي السعودية لإخراج العراق من الكويت وحماية المملكة؛ أدى هذا الحلف -على الرغم من التغطية الدينية له من كبار علماء المملكة- إلى رد فعل واستياء من أوساط إسلامية سعودية كان منهم أسامة بن لادن الذي خرج عن قواعد عائلته في التعامل مع رعاتهم من العائلة المالكة، فبدأ بانتقاد الملك فهد وأطراف في العائلة الحاكمة؛ مما أدى إلى مصادرة جواز سفره في عام 1991، وتبعها الخروج النهائي لأسامة من السعودية وتوجهه إلى السودان، والمفارقة تكمن في أن شركة بن لادن التي كان أسامة يحمل اسهما فيها؛ قد فازت بعقود لبناء مرافق لدعم تواجد الجيش الأمريكي في السعودية.

وفي السودان؛ قام أسامة أيضًا بتأسيس عدة شركات منها “شركة بن لادن الدولية، وشركة الهجرة للتعمير” -مشبهًا نفسه بهجرة الصحابة الأولى إلى الحبشة-، وهناك استمر أسامة باستقطاب المجاهدين العرب القادمين من أفغانستان مستفيدًا من علاقاته مع النظام الإسلامي اذي استلم حديثًا السلطة عبر انقلاب عسكري، ومع تزايد نشاط أسامة الجهادي حول العالم واستمراره بانتقاد العائلة المالكة السعودية وسياساتها؛ بدأت الضغوط من العائلة المالكة السعودية على أشقائه لتعديل مساره إلا أنه رفض -بإصرار شديد- على تغيير موقفه مما أدى إلى حرمانه من ملكية الأسهم في الشركة الأم عام 1993 وبعدها تبرأت العائلة منه علنًا، ولم تطل إقامته في السودان بعد ضغوط من الحكومة السودانية؛ فانتقل مع زوجاته وأبنائه في أواخر 1996 إلى باكستان.

وفي باكستان؛ عاود الاتصال مع حزب الجهاد المصري بقيادة “أيمن الظواهري” وأسسا سويًّا ما يُعرف بالجبهة الإسلامية العالمية لمحاربة اليهود والنصارى، والتي قامت بتفجير السفارتين الأمريكيتين في “نيروبي ودار السلام” في عام 1998، فردت الإدارة الأمريكية بقصف صاروخي على مواقع تواجد أسامة بن لادن ورفقائه؛ مما أدى إلى ارتفاع شعبية أسامة حول العالم الإسلامي بوصفه قائدًا إسلاميًّا يواجه الغطرسة الأمريكية.

توسع الاهتمام الأمريكي بملاحقة وتعقب أسامة ومصادر تمويله وشبكات أتباعه حول العالم، فقامت لجان من المخابرات الأمريكية ووزارة الخارجية والبنتاغون بزيارة السعودية ومحاولة عقد لقاءات مع أفراد من عائلة بن لادن لمعرفة المزيد عن تفاصيل حياته قبل انقطاع الصلة بينهم، إلا إن هذه اللجان لم تحقق نتائج بشكل فعال بسبب تضارب عملها وتشعب الإمبراطورية المالية لعائلة بن لادن، واستمرت التحقيقات الأمريكية وتوسعت بعد أحداث 11 سبتمبر التي أعلن أسامة بن لادن عن مسؤوليته عنها، ويزخر الكتاب بتفاصيل عن جلسات التحقيق مع أشقاء أسامة ومكاتب المحاماة العالمية التي تولت الدفاع عنهم، ومكاتب العلاقات العامة لتبييض صفحة العائلة بعد أحداث 11 سبتمبر .

الكتاب يعتبر مسحًا تاريخيًّا واسعًا لعائلة لعبت دورًا بارزًا في المملكة السعودية على الصعيد الاقتصادي بمشاركتها الواسعة في المشاريع التنموية، أو في السياسة الخارجية للمملكة ضمن الحرب الأمريكية على ما يسمى الخطر الشيوعي آنذاك، إلا إنه ُيؤخذ على الكتاب إغراقه في تفاصيل قد تكون غير مهمة للقارئ؛ كتفاصيل عقود الطلاق والزواج لبعض أفراد العائلة، والإغراق في أسماء الطيارين والمساعدين والحاشية الملازمة لأعضاء العائلة؛ مما يشتت التركيز على فكرة الكتاب الرئيسة، إلا إنه يبقى المرجع الأكبر والأفضل لفهم هذه المرحلة من تاريخ آل بن لادن والمملكة العربية السعودية.
المصدر :

http://altagreer.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A2%D9%84…/

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق

السلة

لا يوجد منتجات في سلة المشتريات.